عرض مشاركة واحدة
قديم 15-02-2007, 02:11 PM   #1
ثائر ابو لبدة
قلمٌ ثائر

الصورة الرمزية ثائر ابو لبدة
 
المعلومات الشخصية

التقييم
معدل تقييم المستوى: 28

ثائر ابو لبدة عضو سيصبح مشهورا عن قريب



اعتادت أن تخرج للمشي بين الحقول حين تضيق بها الدنيا.. فقد اكتشفت بأن هذه كانت أنجع طريقة تتبعها كي لا تختنق بآلامها.. أما إلى أين تمشي، فقد كان ذلك أمراً محسوماً.. تسير بخطوات ثابتة نحو الجدار، تجلس على تلك الصخرة، وتسافر بذهنها إلى هناك، إلى ما خلف هذا الجدار. لطالما سمعت كبار السن في البلدة يتحدثون عن الحياة في الجانب الآخر. كانت قد سمعت أيضاً بأن هناك من أهل البلدة من تمكن من العبور إلى الجانب الآخر. وقيل بأنهم يتمتعون بحياة سعيدة، يسكنون قصوراً، يمرحون في حدائق غنّاء.. يلعب الأطفال في كل مكان، عصافير ذهبية تحلق فوق رؤوسهم، ونسمات عطرة تهب عليهم من كل مكان. وحين كانت تلتصق بالجدار، كانت تسمع أصواتهم، أشخاص يتجاذبون أطراف حديث هاديء، ضحكات أطفال تعلو حتى تصل إلى أبعد مدى، أهازيج فرح، وصوت عزف ناي قادماً من بعيد.. جمال يفوق كل الوصف، وسكينة يشتهيها القلب.

يغلبها النعاس، فتغفو على ألحان ذلك العزف الجميل. تستيقظ لتجد الجدة تداعب شعرها بلطف: صغيرتي، لقد حل المساء، علينا أن نسرع إلى المنزل. تنهض ولكن لا تتفوه بكلمة، فهي لا زالت مأخوذة بالجمال الذي استحوذ على عقلها، وبالنسمات العطرة التي تغلغلت بأنفاسها. تتحدث إليها بلا انقطاع، ولكنها لا تسمع من حديثها شيئاً. فقط تتبعها بهدوء.

تصلان إلى المنزل وهي ما زالت واجمة، ترتسم على وجهها علامات حزن وشقاء. تلحق بجدتها التي كانت قد بدأت بإعداد الطعام. تقول: جدتي، متى سنتمكن من عبور الجدار؟؟ تصمت الجدة لبرهة، تعلو وجهها نظرة حائرة، نظرة من لا يملك جواباً، ولكنها تعلم بأن عليها أن تجيب على سؤال الطفلة. تنظر إليها بعينين غارقتين في ثنايا تجاعيد وجه من تجرع مرارة سنوات قاسية، تتبع ذلك بتنهيدة عميقة ثم تقول: يا عزيزتي، سوف يزول الجدار يوماً، وسنرحل إلى هناك، إلى حيث رحلت عنك ذاتك، وسبقتك ذكرياتك، إلى موطن أحلامك. ولكن الموعد لم يحن بعد....
ثائر ابو لبدة غير متصل   رد مع اقتباس