عرض مشاركة واحدة
قديم 11-03-2008, 03:34 PM   #5
مهند محمود
عيساوي مجتهد

الصورة الرمزية مهند محمود
 
المعلومات الشخصية

التقييم
معدل تقييم المستوى: 20

مهند محمود عضو في طريقه للتقدم



تنبثق الضرورة القصوى والحاجة الملحة لتشكيل حكومة وحدة وطنية ، من كونها المفتاح والمدخل للبدء في إيجاد حلول للأزمة المستفحلة، التي عانى منها النظام السياسي الفلسطيني. تلك الأزمة التي يقود تفاقمها إلى تآكل متسارع لشرعية النظام وصدقيته، وقد أخذت تعبر عن نفسها بالفوضى العارمة في جميع المجالات، ومظاهرالفلتان الأمني، والانقسام التناحري بين "فتح" و"حماس"، بما يهدد نسيج المجتمع بالتمزق. وإذا كان الاستئثار بالقرار هو السبب الرئيس لجذور هذه الأزمة، فان الحل يتمثل بإنجاز حكومة الوحدة الوطنية بما تؤمنه من مصداقية على طريق إعادة تفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وعليه فإن تطبيق وثيقة الوفاق الوطني وآليات تنفيذها هي الآلية التي يمكن أن توفر أساساً موضوعياً للشراكة السياسية يتجاوز مبدأ التوافق والمحاصصة الفصائلية التي باتت عقيمة.
لقد عاش المجتمع الفلسطيني مأساة حقيقية، بسبب من نظام الاحتلال الأشد قسوة في التاريخ المعاصر، لكنه يتحرك الآن حثيثاً نحو مأساة أكبر قد تجعل الحرب الأهلية غير مستبعدة. وقد كانت أبعد الاحتمالات بالنسبة للفلسطينيين، وأشدها كابوسية، ولكن يخشى أن ما كان احتمالاً بعيداً للغاية لم يعد كذلك وعلامات الخطر منذرة وشديدة الوطأة.
تشمل هذه العلامات اشتداد الصراع التناحري على السلطة بين حركتيّ "فتح" و"حماس" إلى مستويات غير مسبوقة، ولم تكن في الحسبان، وكان الجميع يأمل في أن تدفع فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية هذا الصراع إلى التواري، من أجل التركيز على تحقيق إنجاز وطني عام ينهي الاحتلال أو على الأقل أشد مظاهره وحشية وألماً. ولكن ما إن بدا أن الفكرة تلقي قبولاً عاماً (حكومة وحدة وطنية، انتخابات جديدة لكل مؤسسات السلطة والمجتمع المدني في الأرض المحتلة على أساس التمثيل النسبي الكامل، انتخاب مجلس وطني جديد لمنظمة التحرير في الوطن والشتات على أساس التمثيل النسبي الكامل)، حتى تبددت وتجدد الصراع الدامي بين الطرفين، ويشتد بما يضاعف من حالة الحيرة والفوضى، ويدفع الموقف السياسي إلى مواجهات مريرة، قد تتحول في أي وقت إلى العنف الجماعي.
فالأحداث الدامية التي وقعت في قطاع غزة ورام الله قبل أيام، وسقط فيها 12 قتيلاً وأكثر من 130 جريحاً ونزيف الدم يتواصل بالاغتيالات بين الجانبين من الضحايا، برصاص فلسطيني على خلفية تظاهرات واحتجاجات قام بها أفراد من أجهزة الأمن والشرطة الفلسطينية، بسبب من عدم تسلمهم رواتبهم منذ شهور، ومحاولة منع هذه التظاهرات في غزة بالقوة من قبل "القوة التنفيذية" التي شكلتها الحكومة، والتي عادت إلى الانتشار مجدداً في الشوارع ومحاور الطرق، هذه الأحداث تؤكد مجدداً أننا وصلنا إلى وضع مأساوي لا نحسد عليه، وأن هناك من يصر على تجاوز الخطوط الحمراء وإراقة الدم الفلسطيني بسلاح فلسطيني، وهو ما حرصت على منع حدوثه مختلف القوى الوطنية والديمقراطية والإسلامية على مدى عقود.
إن ما يجب أن يقال؛ إن ما حدث في غزة ورام الله أشعل ضوءاً احمراً لدى حكومة ورئاسة السلطة الفلسطينية، للمسارعة إلى احتواء هذه الأحداث أولاً، ومنع امتدادها، ثم العمل بشكل جاد لمنع تكرار حدوثها، والأهم من ذلك العمل على إيجاد حل لهذا الوضع المأساوي. فمن غير المعقول أن تبقى عشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية دون رواتب لمعيلها، ويجب أن يدرك السياسيون قبل غيرهم بأنه حان الوقت لإنهاء كل مظاهر استعراض القوة والفلتات الأمني والاشتباكات والاغتيالات التناحرية، المظاهر التي تسيء إلى شعبنا الفلسطيني ونضاله ومطالبه العادلة بالحرية والاستقلال. فالحالة الفلسطينية الراهنة مترعة بالمعاناة، التي يندفع من خلالها الوضع الفلسطيني إلى مستنقع الفتنة، رغم تواصل العدوان الوحشي الصهيوني على الشعب والأرض وكل عناصر الحياة ،وطحنه هو الآخر عظام الفلسطينيين، وتمزيق أرضهم، وتدمير بيوتهم. ومن هنا علينا أن نقرأ هذا الوضع بدقة، وأن نستنتج العبر من معارك النضال الوطني الذي خاضها الشعب الفلسطيني موحداً ،لا سيما في الانتفاضة الكبرى عام 1987 التي كشفت الكيان الصهيوني على حقيقته، ووضعته في قفص الاتهام العالمي كاحتلال عنصري بغيض. ودفعت كذلك بقضية الشعب الفلسطيني إلى دائرة الدعم والتأييد الإنساني والعربي، أوصلها إلى أهم مراكز القرار الدولي، وإلى أهم محافل العالم الإنساني كقضية تحرر وطني عادلة، مدعومة من كل الشرعيات الدولية والإنسانية. أما العبرة المصاغة من هذه الخبرة و مما ترتب على ممارسة نهج الشعب ونهجه الوطني في مواجهة الاحتلال، فهي الوحدة الوطنية الحقيقية والمنظمة في عهد الانتفاضة الكبرى.
إن الحل المنشود يكمن في احترام وتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني وآلياتها العملية وفي المقدمة تشكيل حكومة وطنية وانتخابات جديدة وفق التمثيل النسبي الكامل كما تنص وثيقة الوفاق الوطني الموقعة من جميع الفصائل والقوى والشخصيات في 27 حزيران/ يونيو 2006، وضرورة مساهمة القوى الوطنية والديمقراطية والإسلامية في كل الجهود من أجل إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني، بدءاً من ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على مواجهة التحديات المختلفة التي تواجه شعبنا وقضيتنا، وبشكل رئيسي سياسات إسرائيل ومخططاتها الإقصائية الإلغائية، وضرورة الالتزام الوطني بالبرنامج الذي أقر من مختلف القوى والفصائل ليشكل قاعدة وأساساً لتطوير أسس الوحدة الوطنية من خلال إعادة الاعتبار لـ "م. ت. ف" ومشاركة كافة القوى في مؤسساتها الوطنية، وعدم المماطلة في الاستجابة لضرورات إنجاز هذه المهمات بأقصى سرعة ممكنة. والاتفاق على استراتيجية وطنية لاعتماد أجندة وطنية على مختلف الصعد والمستويات السياسية والكفاحية والمالية بما يرفع من قيمة مؤسساتنا الوطنية ويعزز دورها على أسس ديمقراطية شفافة، تعمق من عزلة إسرائيل وتوطد علاقاتنا مع محيطنا الإقليمي. فالوحدة الوطنية هي الأساس في مقدرتنا على مواجهة التطورات والمنعطفات المعادية، ومواجهة مشاريع الاحتلال العنصرية وحلوله الأحادية.
تمر القضية الفلسطينية في هذا الظرف الصعب والاستثنائي والواقع الفلسطيني مأزوم داخلياً وخارجياً، وتملي الضرورة القصوى والعاجلة الوقوف وقفة جدية أمام هذه الأزمة، والبحث عن حل جذري لها، يخرج الشعب الفلسطيني من دوامة العبث والحصار واللامبالاة، فالمشاركة الوطنية الشاملة هي في رسم السياسات الاستراتيجية الموحدة،والتي تأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب المباشرة دون التخلي عن حقوقه الاستراتيجية فهي السبيل الوحيد للخروج من المأزق.
من هنا نقول إن الأهداف الوطنية، لا ينبغي أن تكون رهينة لخطط حزب أو فصيل أو حكومة، فصراعنا مع العدو الصهيوني استراتيجي وتاريخي، الأمر الذي يملي أن يكف البعض عن النظر إلى تجاربهم وكأنها نهاية التاريخ، وفي الوقت نفسه ينبغي أن يكف البعض الآخر عن اعتبار أن عودتهم إلى سدة "الحكم" هي طوق النجاة.
إن خبرة وتجربة الشعب الفلسطيني الوطنية، غنية باستخلاصاتها وعبرها في مراحلها التاريخية، والشعب الفلسطيني يقدم التضحيات المستمرة من أجل استقلاله وحريته، وهذه الكفاحية العالية والإصرار على تحقيق الأهداف الوطنية يتطلب تعزيز وتوفير مقومات الصمود،لا العبث الاستئثاري من اجل حسابات فصائلية ضيقة على النحو المشاهد. ما سبق يملي مغادرة نهج الاحتكار والاستئثار الذي أوصل الوضع الفلسطيني إلى حالة صدام دموي، بين أشقاء الدم الواحد.

***وشكر مع تحيات ابن الجبهة الديمقراطية ***
مهند محمود غير متصل   رد مع اقتباس