نعم كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...أشعر دائما بالرغبة في إطلاقه كرصاصة على ذاكرة النسيان العربية...والأسباب كثيرة وعديدة ، وأهمها بالتأكيد أن غسان كان وطنيا حقيقيا وشهيدا حقيقيا وتكريمه هو في كل لحظة تكريم للرجال الأنقياء الذين يمشون إلى موتهم دون وجل لتحيا أوطانهم ، ولتخرج (القيم) و(المفاهيم) من صناديق اللغة الرثة، إلى عظمة الفعل الحي....لا أستطيع الادعاء-دون أن أكذب أن غسان كان أحب رجالي إلى قلبي كامرأة كي لا أخون حقيقتي الداخلية مع آخرين سيأتي دور الاعتراف بهم – بعد الموت – وبالنار التي أوقدوها في زمني وحرفي ...لكنه بالتأكيد كان أحد الأنقياء القلائل بينهم.
نعم كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...ويعز علي أن أرى الغبار يتراكم فوق وجهه ، والعنكبوت يغزل خيوطه ببطء – ولكن باستمرار – فوق حروف اسمه بالرغم من الجهود المباركة للجنة تكريمه...أخشى أن يغوص في لجة النسيان هو وكل ما كان يمثله...لا جائزة أدبية باسمه، ولا شارع في مدينة عربية يخلده ( أرجو أن أكون مخطئة وقليلة الاطلاع )...ولا مهرجان أدبيا يكرسه... أفرح حين أرى ليوسف الخال هو – رياض نجيب الريس – يحمي اسمه من عث النسيان، وأتساءل : أين (جائزة غسان كنفاني) للرواية مثلا ؟ أم أن عليه أن يقرع جدران (الخزان) ؟...غسان ليس ملكا لمنظمة معينة فهو طفل الأمة العربية كلها وأحد الذين جسدوا أنبل ما فيها..أفكر به ، وقلبي على الحبيبة الفلسطينية الأخرى ولكن المكفنة بنسيان شبه شامل : سميرة عزام ...منذ غادرت الكنيسة حيث عزيت بها لم أر أحدا من الذين عرفوا وهج إبداعها يحاول بعث ذلك الضوء في نجمة...لم أسمع بأستاذ جامعي منهم كلف طالبة أو طالبا بإعداد رسالة جامعية عنها توثق لها وتحفظ ذكراها إلا فيما ندر ...والاحتفال بميلاد غسان كنفاني في صفحتي الأسبوعية بالحوادث ذات مرة ، وبرسائله اليوم ، هذا الاحتفال جزء من الاحتجاج على ذاكرة النسيان العربية ...لا أريد أن أرى الثلج يهطل فوق شاهدة قبره وأمثاله ويغطيها ببرود الجحود...فقد كان وطنيا من نوع فريد...لم يعرف المساومة ولا الرياء ولا رقصة التانغو السياسية: خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء.