اشكالية الدفاع عن النفس

[*زهرة الخليل*]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بقصد مبيت منهم، او بغير قصد، يسبب بعض الناس الكثير او القليل من الاذى للآخرين، أصدقاء وغرباء ايضاً.
ومثلما يكون الاذى على درجات متفاوتة، يكون الدفاع عن النفس متفاوتاً هو الآخر، ممتداً بين رد الصاع صاعين حينا، وبين السكوت والصبر، عندما لا يجد المظلوم حولا ولا قوة يرد بهما كيد الظالمين.
وبعض الاذى يكون ذا طبيعة مؤقتة، كأن يجلس الى جوارك في حافلة نقل عامة صغيرة المقاعد، رجل بدين يلقي بنصف جسده عليك، مستمتعاً باذاك ومشغولا عن تذمرك المكتوم بتدخين سيكارة، لا يجد حرجاً ابدا من نفح دخانها عليك.
الامر الذي لا يكون حلّه مستعصياً على الضعفاء والمؤدبين، سوى الاضطرار الى النزول من الحافلة قبل بلوغ احدهم لوجهته او الصبر العصيب على محنته المؤقتة حتى تصل الحافلة الى المكان الذي يقصده.
أما البعض الآخر من الاذى، فربما يكون ذا اجل طويل او دائم احيانا، كأن يبتليك الله بجار سوء، ينغص عليك حياتك وحياة عائلتك، مخيراً أياك بين حلول ثلاثة لا غير، احدها أمر من الاخر، اعني اما أن تبيع بيتك مغادراً الى مكان آخر، او أن تكرهه هوعلى بيع بيته عندما تواجهه باذى امر عليه واقسى، او ان تصبر كاتما حسرتك وحزنك على ما ابتلاك الله به.
وجار السوء هذا، لا يقع على معنى الجوار في المساكن وحدها، انما قد يقع ايضا على معنى وجود موظف معك في نفس الدائرة التي تعمل فيها وفي نفس غرفتك التي تشغلها ايضا، فيلقى عليك من تفاهاته وسوء ادبه وثقله، ما يجعلك تتقاضى راتبك لا عن الخدمة التي تقدمها للدولة والجهد الوظيفي الذي تبذله لصالحها، بل تتقاضى راتبك بالاحرى، عن صبرك الجميل وقدرتك الفائقة على تحمل اذاه.
ومثل هذه الحالة العصيبة كنت قد عشتها بالفعل أكثر من مرة، حيث كنت مرة مسؤولاً لقسم ما وكان يشاركني في غرفتي مجموعة من الموظفين شاءت الصدف ان تجمع اربعة منهم في هذا المكان، من أجل ان يكمل كل واحد منهم بالاخر اخلاقه السيئة وسوء سريرته، وحقده، على كل ما هو خير وطيب، فلم يكن امامي من بد سوى ان اصبر على هذه الطخيةالعمياء، او أن اقدم استقالتي فاخسر مع تقديمها راتبي الذي كنت بامس الحاجة اليه، لذا بقيت طوال سنتين اذوق الامرين منهم، حتى اصبحت الدائرة بالنسبة لي، هي المكان الاكثر وحشة وحزنا ومقتا، الى أن جاءني فرج الله وانتقلت الى دائرة أخرى.
يومها خلفني في رئاسة القسم احد الاصدقاء الطيبين وحين امضى يوما واحدا مع هذه الشلة (بالغة الطيبة) اضطر في اليوم الاخر الى الهرب دون رجعة ومن دون ان يقدم استقالته حتى، وعندما سألته عن سبب تركه الدائرة، اجابني اذا كنت تعجب من تركي الدائرة بعد خدمتي فيها ليوم واحد، فان عجبي كله هو كيف استطعت أن تتحمل هذه العصبة اللئيمة لمدة سنتين؟
كنت قد اجبته في حينها بأكثر من اجابة واحدة، بعد اعترافي الصريح والحزين بمقدار الاذى الذي عانيته منهم، غير ان اهم تلك الاجابات ما تمثل بقولي:
بانني كنت في الساعة التي يتمادون فيها في تفاهاتهم، كنت استل من درج مكتبي احد الكتب التي كنت قد اعددتها لهذه الغاية واخترتها بعناية فائقة من اجل مساعدتي في تحمل المواقف العصيبة التي يحاصرونني فيها، وهذه الكتب هي ديوانا المتنبي وابي تمام حيث كنت انشغل بحفظ بعض القصائد لهما وكتاب نهج البلاغة وكتاب أفلاطون محاورة «الدفاع».
وكنت قد خصصت الكتابين الاخيرين للاوقات الاكثر ضيقا وحرجا، لا لانهما كتابان عظيمان في مادتيهما حسب، بل لانني كنت اتذكر مقدار الاذى وجسامة الضرر الذي الحقه الاخرون بهما، ثم اتذكر مقدار صبرهما على الاذى، واتذكر اخيراً نوع دفاعهما عن نفسيهما، ولانه لا وجه للمقارنة في حقيقة الامر بين مقدار آذاي الخاص ومقدار ونوع أذاهما، فقد كنت اخلد الى السكينة مستغرقا في عظمة هذين الرجلين سقراط بطل المحاورة وعلي بن أبي طالب، بطل الحياة ومعلم الناس الصبر والشجاعة وكيفية تحويل الهزائم التي يعتقد الاخرون انهم الحقوها به، الى نصر مبين عليهم، سواء في سكوته او في ردوده عليهم، تلك التي نجدها مبثوثة هنا وهناك في كتابة الخالد، نهج البلاغة.
اما سقراط فكان يقول لهيئة المحلفين والقضاة التي كانت تتولى محاكمته عن جريمة كانت قد لفقوها له.
(أريد لكم ان تعلموا بأنكم اذا اقدمتهم على قتل رجل مثلي فأنكم ستأذون انفسكم قبل ان تأذوني، لا أحد قادر على ايذائي لا ميلتوس ولا حتى انيتوس، لان الرجل السيء غير مأذون له باذى الافضل منه)..
نعم هكذا كنت اعزي نفسي، وكنت انظر بالفعل الى وجوههم في ساعة أذاها لي فارى انها تتحمل وتعاني من اذاها لنفسها، أكثر من اذاها لي.

[ريّانه]

[align=center]
ما نثرته هو ما يطابق وضعي الحالي فعلاً ،،
لا السخرية بمعناها الكبير، بل بحجمها ،،
فأنا شخصياً لا أرد، أكتفي بنظراتي ^-^ .


أشكرك زهرة الخليل ..


..
[/align]

[*زهرة الخليل*]

شكرا ريانه حبيبتي على ردك فعلا النظرات هي اقوى شيء بنظري واحيانا عندما ترد بقولك ( لن انزل لمستواك لارد عليك فانا اعلى من ذلك ) ايضا رد قوي شكرا لمرورك .